فصل: ظهور محمد بن السلطان عبد الحليم بسجلماسة:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.ظهور محمد بن السلطان عبد الحليم بسجلماسة:

قد تقدم لنا ذكر السلطان عبد الحليم ابن السلطان أبي على وكان يدعى بحلى كيف بايع له بنو مرين وأجلبوا به على عمر بن عبد الله سنة ثلاث وستين وسبعمائة أيام مبعثه للسلطان أبي عمر ابن السلطان أبي الحسن وحاصروا معه البلد الجديد حتى خرج لدفاعهم وقاتلهم فانهزموا وافترقوا ولحق السلطان عبد الحليم بتازى وأخوه عبد المؤمن بمكناسة ومعه ابن أخيهما عبد الرحمن بن أبي يفلوسن ثم بايع الوزير عمر بن عبد الله لمحمد بن أبي عبد الرحمن ابن السلطان أبي الحسن واستبدل به من أبي عمر لما كان بنو مرين يرمونه بالجنون والوسوسة فاستدعى محمد بن أبي عبد الرحمن من مطرح اغترابه بإشبيلية وبايعه وخرج في العساكر لمدافعة عبد المؤمن وعبد الرحمن عن مكناسة فلقيهما وهزهما ولحقا بالسلطان عبد الحليم بتازى وساروا جميعا إلى سجلماسة فاستقروا فيها والسلطان عبد الحليم وقد تقدم خبر ذلك كله في أماكنه ثم كان الخلاف بين عرب المعقل أولاد حسين والأحلاف وخرج عبد المؤمن للإصلاح بينهم فبايع له أولاد حسين ونصبوه كرها للملك وخرج السلطان عبد الحق إليهم في جموع الأحلاف فقاتلوه وهزموه وقتلوا كبار قومه كان منهم يحيى بن رحو بن تاشفين بن معطي شيخ بني تيربيغن وكبير دولة بني مرين أجلت المعركة عن قتله ودخل عبد المؤمن البلد منفردا بالملك وصرف السلطان أخاه عبد الحليم إلى المشرق لقضاء فرضه برغبته في ذلك فسار على طريق القفر مسلك الحاج من التكرور إلى أن وصل القاهرة والمستبد بها يومئذ يلبغا الخاصكي على الأشرف شعبان بن حسين من أسباط الملك الناصر محمد بن قلاوون فأكرم وفادته ووسع نزله وجرايته وأدر لحاشيته الأرزاق ثم أعانه على طريقه للحج بالأزواد والأبنية والظهر من الكراع والخف ولما انصرف من حجه زوده لسفر المغرب وهلك بضروجة سنة سبع وستين وسبعمائة ورجعت حاشيته إلى المغرب بحرمه وولده وكان ترك محمدا هذا رضيعا فشب متقلبا من الدولة من ملك إلى آخر منتبذا عن قومه بغيرة السلطان أبي الحسن من بنى عمهم السلطان أبي علي وكان أكثر مما يكون مقامه عند أبي حمو سلطان بني عبد الواد بتلمسان لما يروم به من الأجلاب على المغرب ودفع عادية بني مرين عنه فلما وقع بالمغرب من انتقاض عرب المعقل على الوزير مسعود بن ماسي سنة تسع وثمانين وسبعمائة واستمروا على الخلاف انتهز أبو حمو الفرصة وبعث محمد بن عبد الحليم هذا إلى المعقل ليجلب بهم على المغرب ويمزقوا من الملك ما قدروا عليه فلحق بأحيائهم ونزل على الأحلاف إلى الذين هم أمس رحما بسجلماسة وأقرب موطنا إليها وكان الوزير ابن ماسي قد ولى عليها من أقاربه علي بن إبراهيم بن عبو بن ماسي فلما ظهر عليه السلطان أبو العباس وضيق مخنقه بالبلد الجديد دس إلى الأحلاف وإلى قريبه علي ابن إبراهيم أن ينصب محمد ابن السلطان أبي العباس عنه وينفسوا من حصاره ففعلوا ذلك ودخل محمد إلى سجلماسة فملكها وقام علي بن إبراهيم بوزارته حتى إذا استولى السلطان أبو العباس على البلد الجديد وفتك بالوزير مسعود بن ماسي وبإخوته وسائر قرابته اضطرب علي بن إبراهيم وفسد ما بينه وبين سلطانه محمد فخرج عن سجلماسة ودعا إلى أبي حمو سلطان تلمسان كما كان.
ثم زادت هواجس على بن إبراهيم وارتيابه فخرج عن سجلماسة وتركها ولحق بأحياء العرب وسارت طائفة منهم معه إلى أن أبلغوه مأمنه ونزل على السلطان أبي حمو إلى أن هلك فسار إلى تونس وحضر وفاة السلطان أبي العباس بها سنة تسع وتسعين وسبعمائة ولحق محمد ابن السلطان عبد الحليم بعد مهلك أبي حمو بتونس ثم ارتحل بعد وفاة السلطان أبي العباس إلى المشرق لحجة فرضه والله تعالى أعلم.

.نكبة ابن أبي عمر ومهلكه وحركات ابن حسون.

لما استقل السلطان بملكه واقتعد سريره صرف نظره إلى أولياء تلك الدولة ومن يرتاب منه وكان محمد بن أبي عمر قد تقدم ذكره وأوليته من جملة خواصه وأوليائه وندمائه وكان السلطان يقسم له من عنايته وجميل نظره ويرفعه عن نظرائه فلما ولي السلطان موسى نزعت إليه نوازع المخالصة لأبيه من السلطان أبي عنان فقد كان أبوه أعز بطانته كما مر فاستخلصه السلطان موسى للشورى ورفعه على منابر أهل الدولة وجعل إليه كتاب علامته على المراسم السلطانية كما كان لأبيه وكان يفاوضه في مهماته ويرجع إليه في أموره حتى غص به أهل الدولة ونمى عنه للوزير مسعود بن ماسي أنه يداخل السلطان في نكبته وربها سعى عند سلطانه في جماعة من بطانة السلطان أحمد فأتى عليهم النكال والقتل لكلمات كانت تجري بينهم وبينه في مجالسة المنادمة عند السلطان حقدها لهم فما ظفر بالحظ من سلطانه سعى بهم فقتلهم وكان القاضي أبو اسحق اليزناسني من بطانة السلطان أحمد وكان يحضر مع ندمائه فحقد له ابن أبي عامر وأغرى به سلطانه فضربه وأطافه وجاء بها شنعاء غريبة في القبح وسفر عن سلطانه إلى الأندلس وكان يمر بمجلس السلطان أحمد ومكان اعتقاله وربما يلقاه فلا يلم إليه ولا يجيبه ولا يوجب له حقا فأحفظ ذلك السلطان ولما فرغ من ابن ماسي قبض على ابن أبي عمر هذا وأودعه السجن ثم امتحنه بعد ذلك إلى أن هلك بالسياط عفا الله عنه وحمل إلى داره وبينما أهله يحضرونه إلى قبره وإذا بالسلطان قد أمر بأن يسحب بنواحي البلد إبلاغا في التنكيل فحمل من نعشه وقد ربط حبل برجله وسحب في سائر أنحاء المدينة ثم ألقي في بعض المزابل ثم قبض على حركات ابن حسون وكان مجلبا في الفتنة وكان العرب المخالفون من المعقل لما أجاز السلطان إلى سبتة وحركات هذا بتدلا راودوه على طاعة السلطان فامتنع أولا ثم أكرهوه وجاؤا به إلى السلطان فطوى على ذلك حتى استقام أمره وملك البلد الجديد فتقبض عليه وامتحنه إلى أن هلك والله وارث الأرض ومن عليها.